لا للتدخل العسكري في النيجر / الوزير السابق محمد فال ولد بلّال

يقول المثل : "من يرغب في وضع علاّفة على فَم "عَر", فعليه أن يأخذ قياسات الحجم مسبقا"• ذلكم هو الحال بالنسبة لمن يرغب في التدخل في منطقة الساحل والصحراء على خلفية الانقلاب في النيجر، فعليه أن يأخذ مسبقا قياسات حجم الحرائق التي ستشتعل.

كلنا نعلم أن انعدام الأمن في هذه المنطقة ليس ظاهرة جديدة، بل العكس. هذه المنطقة لم تذق أبدا طعم الأمن والاستقرار. فيها ولدت حركات دينية مثل حركة المرابطين (في موريتانيا)، وحركة الجهاد بقيادة الحاج عمر تال ( غرب المنطقة)، وعثمان دان فوديو (في شمال نيجيريا)، وحركة المهدي (شرق بحيرة تشاد والسودان). وفيها وقعت حروب إقامة الإمبراطوريات والممالك العظيمة (غانا، والماندينغ، وبامبارا، والفولان). وإليها جاء الغزو الاستعماري، ومنها انطلقت حركات تحرر مسلحة تصدت له دفاعا عن الدين والكرامة والأرض. ونعلم جميعا أن فرنسا، على الرغم من قوتها وخبرتها ووسائلها، لم تنجح أبدًا في بسط هيمنتها كليا على هذه الأرض وأهلها. ولم تستطع إخماد جذوة كفاح القبائل الثائرة التي ظلت تهاجم الثكنات العسكرية والكيانات الإدارية، وتنهب القوافل، وتتلاعب بالحدود.

مع الاستقلال، لم تتغير الأمور كثيرا. استمرت الحروب بين الدول المستقلة حديثا، وداخل كل دولة تقريبا. بمعنى أن هذا الشريط المعروف باسم الساحل والصحراء يتميز منذ القدم وحتى الآن بالحروب والنزاعات العنيفة التي صارت جزءا من عقله وهويته. حمل السلاح هنا والمهارة في فنون القتال جزء من تربية الأطفال. أذكر من الحركات على سبيل المثال، لا الحصر: حركات الطوارق وثورات "أژواد" من 1963 إلى يومنا هذا، و الصراعات الحدودية بين مالي وبوركينا فاسو (شريط أغاشير)، وبين ليبيا وتشاد (شريط آوزو)، وبين النيجر وبوركينا فاسو، والحروب بين السودان وتشاد التي لا تنتهي إلا لتبدأ، والحرب الأهلية في السودان، وأزمة دار فور، وحرب الصحراء الغربية التي طالما أزعجت الجزء الغربي من المنطقة، والحرب الأهلية الجزائرية التي أدخلت بذور الإسلام الراديكالي إلى هذا الفضاء الجيوسياسي، والحرب في ليبيا، والتوتر داخل موريتانيا (1966 و1987) والانقلابات المتكررة والمناوشات بينها وبين السنغال 1989، والحروب الأهلية في ليبيريا، سيراليون، ساحل العاج، إلخ ...

باختصار ، لم تكن منطقة الساحل والصحراء في يوم من الأيام منطقة سلم واستقرار، ومن الصعب معرفة أحوالها بدقة واستشراف مآلاتها. هكذا كانت في الماضي، فما بالك بها اليوم وقد ازداد الطين بلة بعوامل تأزيم وتوتر جديدة متصلة بشبكات المافيا وتهريب المحرمات بجميع أنواعها: أسلحة، مخدرات، نفايات سامة، اتجار بالبشر، و انتشار الأسلحة الذي ساعد في تجهيز الجماعات الإرهابية المحلية، خاصة بعد انفجار الأزمة الليبية. هذا بالإضافة إلى التدخل الخارجي المدعوم بالسعي الجامح لنهب خيرات المنطقة. إن باطن أرض دول الساحل مليء بالطاقة والثروة المعدنية: النفط والغاز واليورانيوم والذهب والنحاس والفوسفات وما إلى ذلك. هذه الموارد "سبب كاف" لجعل المنطقة ملتهبة ومضطربة. مالي هي ثالث منتج للذهب في إفريقيا، والنيجر هو ثاني منتج عالمي لليورانيوم، وموريتانيا تعلن عن كميات هائلة من الغاز والذهب ... هذه الأصول الاقتصادية هي اليوم موضع تنافس بين القوى العالمية الرئيسية (الولايات المتحدة الأمريكية ، والصين ، وفرنسا ، وروسيا ، وتركيا، وغيرها) من أجل السيطرة عليها. 

هذا هو الهدف الحقيقي الكامن وراء التهديد والوعيد بالتدخل. من قال إنكم حماة  الدستور النيجري ودساتير دول المنطقة؟ ومن قال إنكم أوصياء على أنظمة الحكم في غرب أفريقيا؟ ومتى كانت الديمقراطية سلعة بأيديكم تفرضونها على غيركم بقوة السلاح؟ وفي أي بقعة من العالم نجحتم في إرساء ديمقراطيتكم بواسطة الطائرات والدبابات؟ إن تدخلاتكم ستعيد المنطقة إلى ماضي حروبها واشتعالها، وستصل نيرانها إلى الفضاءات الجيوسياسية المجاورة لها من البحر الأحمر إلى خليج غينيا (الغني بالنفط)، ومن أدغال وسط أفريقيا إلى المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. عليكم أن تفكروا في نفسيات ومشاعر الأجيال الأفريقية الجديدة. اسمعوا و عوا خطابات "سونكو" في دكار ، وأقرانه في غينيا كوناكري التي انسلت من منظمة نهر السنغال، وفي مالي، وخطاب "إبراهيم اتراوري" في "سان بترسبورغ"، الذي أحيا روح "توماس صنكارا" وفكره وطموحه لبلده وللقارة كلها. نعلم أنكم ستكسبون معركة "انيامي" و تطيحون بالمجلس العسكري في أقل من يوم أو يومين إن أردتم ذلك، ولكن الحرب ستطول وتتشعب وتتضاعف و تتمدد وتتعقد.. وتبقى الكلمة الأخيرة للشعوب.
محمد فال ولد بلاّل